الفنان التشكيلي الفلسطيني نبيل عناني من مواليد مدينة اللطرون عام 1943 بفلسطين المحتلة، خريج قسم التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية عام 1969، وحاصل درجة الماجستير من قسم الآثار الإسلامية بجامعة القدس عام 1998، عضو مؤسس لرابطة الفنانين التشكيلين الفلسطينيين عام 1975، ولجنة الأبحاث والتراث الشعبي الفلسطيني في جمعية إنعاش الأسرة، ومُشارك في تأليف كتاب الأزياء الشعبية الفلسطينية ودليل فن التطريز الفلسطيني وساعد في إقامة المتحف في الجمعية 1984، عمل ضمن طاقم تطوير الحرف اليدوية الفلسطينية في جامعة بير زيت عام 1985، عضو جماعة التجريب والإبداع ومؤسس لمركز الواسطي للفنون الجميلة بمدينة القدس، حاصل على مجموعة من الجوائز، أقام معارض شخصية ومشتركة داخل فلسطين المحتلة والوطن العربي والدولي.
يُعد من أبرز فناني الأرض المحتلة، الذين قارعوا الاحتلال الصهيوني بلوحاتهم، وأكثر ارتباطاً بالتراث والهوية الفلسطينية والانحياز للعائلة الفلسطينية، ورمزية الأفكار المطروحة في متن نصوصه التعبيرية. لم يكتفِ بتقنيات سرد بصري أكاديمي نمطي وحسب، بل خاض تجارب تقنية مشغولة بمواد بيئية متعددة، ودخل من بوابة التراث الشعبي الفلسطيني ومواضيعه المفتوحة على الأرض والتاريخ والإنسان بعاداته وتقاليده المتوارثة، كنوع من الانتماء للجذور والإحساس بالمواطنة المفقودة بواقع الاغتصاب الصهيوني، لتلك الأرض الفلسطينية التي تستحق وشعبها على الدوام الحياة.
ومواضيع التراث محطة مهمة من محطاته التصويرية التي وجد ذاته الإنسانية والنضالية في أحضانها مُبتكراً أساليب تعبيرية شتى، يسبر من خلال رموزها وعناصرها التشكيلية المؤتلفة مكنونات الأنا الفردية المندمجة بالأنا الجمعية لعموم المبتكرين الفلسطينيين، الذين بأعمالهم الفنية التشكيلية يُشكلون صدى معنوي ورافعة نضالية مُضافة لمجموعة أشكال النضال الوطني الفلسطيني بعنوانه الأبرز "كل الجهود والبنادق لا بدَّ أن توجه نحو العدو الصهيوني"، وتجتمع سرايا الكفاح على جبهات السياسة والفن والثقافة من أوسع أبوابها.
لوحاته في بداية الأمر حفلت بالاتجاهات الواقعية، والواقعية الرمزية، ولصيقة بمكونات الأرض من طبيعة خلوية ومآثر حسيّة بصرية وإنسان، وكان لتصاميم الزخرفة المستخدمة في أشغال الإبرة الفلسطينية دورها في استنهاض حسه البديعي بالأشياء، وهي المجال الحيوي لرصف بنيان مكوناته الشكلية، يرصفها في متواليات أشكال ملونة صريحة في تجلياتها السردية، وتعكس حقيقة الواقع الفلسطيني في مدنيته وريفه وبداوته، باعتبار أن "القطبة الفلسطينية" التراثية هي القاسم المشترك الأعظم في تجلياته السردية، والرمز الأكثر تواجداً واحتراماً في لوحاته، باعتبار التراث ذاكرة شعب وتاريخ جامعة ومانعة، وتعبير عن حقيقة وجود ماثلة للعيان وعبر الأجيال المتعاقبة.
يدونها الفنان كرموز مُستعارة بأناقة وصفية، وحالات تصويرية متمايزة في حصيلة مبتكراته الجمالية، يجمع في متن لوحاته هذا الكم الهائل من الخطوط والملونات، وعناق المساحات الحاضنة لجميع صنوف الزخارف الفلسطينية المتواجدة في الأزياء والمفروشات والسجاجيد، والأدوات المنزلية بجميع صنوفها البيئية، تجعل عين المتلقي وبصيرته أسيرة لمضامينها الشكلية وإحالاتها الدلالية، وهي المرحلة التعبيرية الأهم في مسيرته الفنية.
مسيرة حملت في ضلوعها الموصوفة أكثر من إشارة وصف، وانتماء للأرض الفلسطينية والإنسان وعزفت على أنغام الواقعية التعبيرية تقاسم الوجود والمقاومة المتاحة بأدوات الفن التشكيلي، ونجد أن للأسرة الفلسطينية نصيب طيب من خطوطه وملوناته، يجسدها كحالات إنسانية طبيعية، تعيش وتحلم في طيات بيوت فلسطينية في حلتها الشعبية التقليدية، قائمة على التبسيط المساحي للمكونات، وتأخذ صبغة تقنية محاكية لغرز التطريز الفلسطيني ذات بعدي الطول والعرض ملغية من حسابها البعد الثالث المنظور في اللوحات الأعجمية.
أزمنة التحولات السياسية الدولية والقومية العربية والمحلية الفلسطينية التي اجتاحت الكرة الأرضية مع انهيار الاتحاد السوفيتي، أدخلت الفنانين التشكيلين الفلسطينيين والذين يعيشون تحت سطوة الاحتلال الصهيوني خصوصاً، وسلطة أوسلو لاحقاً، في معمعة المفارقات الوجودية للشعب العربي الفلسطيني، أترث سلبياً وبشكل ملحوظ على مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني، والفنانين الذين تحول قسم كبير منهم، ومن ضمنهم الفنان "عناني" إلى سجناء سياسيين لتلك السياسات التفاوضية، وأمست لوحاتهم وللأسف تعبر عن سوء الحالة التشكيلية وانحرافها عن مسارها الطبيعي أيضاً، وانزياحها عن دورها التحريضي المباشر، لتتناول موضوعات مسطحة للفكر وتقود إلى الخواء البصري، وإحياء لمقولات الفن للفن والعبثية التشكيلية التي أوجدتها ماكينة العولمة الثقافية والأمركة بشكل خاص.
وانقلبت لوحات الفنان "عناني" في مضامينها الحبلى برموز تراثية واضحة القسمات والانتماء، لظلال فكرة ومقاومة ثقافية، إلى تخير أوضاع شكلية مثقلة بالتعبيرية التجريدية على الطريقة الأمريكية، التي تولي كلِّ الاهتمام للخط واللون وتناسق المساحات، وتعمل على تعميم القطيعة الشكلية مع الجذور والانتماء والأصول، وانتفاء للخصوصية الوطنية والقومية والتشخيص والواقعية التعبيرية والتسجيلية لمصلحة خواء الفن، والدخول في مساحة التلوث البصري والمتاهة الشكلية المقصودة لضبابية النصوص.
ويتلمس القارئ العادي والمتخصص الفني من خلال استعراض نماذج مُختارة من ماضي الفنان "عناني" وحاضره، بأن المفارقة واضحة والمقاربة الشكلية في المضمون والمحتوى والأساليب والتقنيات غير ممكنة، وكأن لوحاته الحديثة مصابة بانفصام شخصية لا تصل الحاضر بالماضي ، وتقطع الصلة كلياً بتجاربه وبداياته الأولى من إنتاجه واشتغاله على الموضوع الفلسطيني التراثي، ولتدخل في متاهة المواضيع التجريدية المجردة من القيم الشكلية التعبيرية والجمالية وإنسانية الإنسان، وتقطع الصلة بجذور انتماءه لأرضه وشعبه، وهذا ما نلمسه بمُنتجاته الحالية، التي لم تبقِ من الهوية الوطنية والشعب العربي الفلسطيني إلا حالة بوهمية من مساحات وخطوط وملونات.