الفنان التشكيلي الفلسطيني "فتحي غبن" من مواليد هربيا بفلسطين عام 1947، درس الفن على نفسه دراسة خاصة، وابتكر لذاته حلولاً بصرية وتقنية جديدة في رسم وتصوير معالم لوحاته، المنحازة أبداً للأرض الفلسطينية الطيبة والمقاومين، أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل فلسطين وخارجها في العالمين العربي والغربي، حاصل على عدة أوسمة، ساهم في العديد من الندوات والمحاضرات التي تعنى بالفن الشعبي الفلسطيني، أضاف إلى الموسوعة الفلسطينية رموز تراثية، حافظ فيها على الموروث الإنساني والشعبي الفلسطيني، أسس مركز فتحي غبن للفنون الذي ساهم في تبني الأجيال الواعدة من الفنانين الشبان.
يُقحمنا في معزوفاته البصرية، واسعة الطيف اللوني والمفتوحة على ملونات الحياة، والمزينة بتداعيات التراث والمقاومة في أبهى صورها، ويطوف بنا في معين ذاكرته البصرية لسرديات المكان الفلسطيني الجميل بكلّ تفاصيله وعنفوانه، ويُطلعنا على عنفوان شخوصه ونسوته خصوصاً التي يرسمها في هيئات شكلية حاشدة بالرموز والمعاني، وخلفيات لمقولات وأفكار متسعة على فضاء الحرية، حرية الأرض الفلسطينية والإنسان.
لوحاته عامرة في الحراك المعنوي،والتقاط اللحظة التعبيرية المناسبة، والفكرة المعبرة والموحية إلى شفافية موهبة واتساع خبرة موصولة بأبجدية صمود وتقاسيم حياة، موصولة بكرامة الوطن الفلسطيني وكبريائه، تربط الرمز بالمحاكاة الشكلية لتجليات الواقع، تجمع الأبناء بكل تكويناتهم الاجتماعية والطبقية في بوتقة بصرية واحدة، قوامها إرادة الحياة واستمرار جذوتها، والعمل على بناء واحات الأمل والصمود في صور بيانية متعددة التقاسيم التقنية.
الأرض والنسوة متلازمتان في ضجيج لوحاته، يرقصن في مساحات التشكيل وتناغم المفردات التشكيلية، قصائد لونية يرسمها متناسقة الوهج والإيقاع، يبرز فيهما جميع تجليات الأمل والخير والعطاء، وسرمدية العلاقة والمشابهة المعنوية ما بين رمزين متطابقين في ذاكرة الوطن الفلسطيني الجمال والعمل، فيهما أنفاس الشموخ والأصالة، والتمسك بألف باء الوجود، وناصية الأمل، المتواري في تراب الوطن وناسه وكائناته الحيّة وأثاره، وسمائه وماءه، وبالتراث والمقاومة، ومكانة الإنسان الفلسطيني المميز والمهم في إدارة دفة وجوده وصراعه.
ميدانه مساحات العمل بالأرض الطيبة المعشبة بعرق الفلاحين وتعبهم، ورغبتهم الدائمة في الحفاظ عليها بما يملكون من قوة وإرادة وتصميم على البقاء، يصورهم وهم ينسجون معالم وطن كبير بأبنائه، حالم بشمس الحرية والإباء التي لا تغيب عن ترابه، تروي قصص الفلاحات والفلاحين، الذين يعملون بجد ومتعة وصدق، يداً بيد كأسر متحابة على وطن، ورغبة بديمومة ماكينة الحياة الحافلة بالخير الكثير.
القدس المدينة الخالدة والصامدة، حاضرة في وجدانه ونبض عروقه وخياله، يترجمها صوراً حسيّة مفتوحة على التأمل والمحاورة، عبر خطوط وملونات سابحة بالواقعية تارة والتعبيرية الرمزية تارة أخرى، مصحوبة بفيض المعاني، وتجليات الرمز، والمدارات الوجدانية واللمسات العاطفية المشحونة بفتيل المقاومة الذي لا ينطفئ ضوء قناديله، يدخلها في مسرات قاماته البصرية كعناوين بارزة لوطن فلسطيني مقاوم، زاخر بكل أسباب الحياة والصمود، وما تحتله مدينة القدس في وجدانه ونبض عروقه وبيانه البصري، حافلة لوحاته بتجليات الموروث الشعبي الفلسطيني والتربة وحصاد الفلاحين الممسكين باليد معول والأخرى بندقية والمزروعين في عمق الأرض أشجار بقاء على دروب المقاومة.
مدينة القدس والمسجد الأقصى، هما مجاله الحيوي والحيز البصري الحاضن لتوليفات مشاهده، محمولة برمزية واضحة القسمات، وظف الفنان فيها موهبته وثقافته الوطنية وانحيازه لخيار الثورة الفلسطينية المعاصرة، الثورة الرمز المتجلية بدثار الحصان الجامح، وقبضات الأيادي المتشابكة للرجل والنسوة والعيون الشاخصة والحشود المتراصة في عمق اللوحة، باعتبارها مكونات متداخلة لمكون وجودي وجمالي قوامه الإنسان وذاكرة المكان والثورة، اتخذ من الملونات التراثية المعهودة في الأزياء الفلسطينية مادة تقنية لزخرفة المساحة ولإعطاء المشهد حالة من الحيوية والحركة والتقبل والتحريض في عين المتلقي وعقله.